موضوع: من أخلاقنا الجميلة.. الإحسان ....... الثلاثاء أبريل 21, 2009 2:31 am
من أخلاقنا الجميلة.. الإحسان
بقلم: د. جمال نصار
الإحسان هو أن ينشد الإنسان الكمال في كل شيء، فالمسلم مطالَب بأن يُحسن إسلامه ليتضاعف أجره، وحسن إسلامه يكون بإتقانه للعمل، وتحسينه أداءه؛ بحيث يشمل مظاهر حياته كلها، ولذلك عرَّف الإمام الغزالي الإحسان بقوله: "إتقان للعمل، وتحسين في الأداء، وحسن في العطاء، وعدم الإساءة"(1).
والإسلام يدعو إلى الإحسان، ويحرص عليه، ويحثُّ أتباعه على ذلك.. يقول تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ (الزمر: من الآية 18)، وقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: من الآية 69)، ويقول: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: من الآية 90)، ويقول: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 56)، ويقول: ﴿لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ﴾ (الزمر: من الآية 34).
فهذه الآيات وغيرها تبيِّن منزلة المحسنين عند الله، وما أنعم عليهم من محبته ورعايته وهدايته، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه على الإحسان في كل شيء؛ فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها"(2)، وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (3)، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "اعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فهو يراك"(4).
فهذه الأحاديث تبيِّن ما للإحسان من مزايا؛ فعلى المسلم أن يكون محسنًا مع الله، ومع نفسه، ومع غيره من الناس، ولا يكون غليظ القلب، سيئ الطباع.
والإحسان يبدو في الأعمال والأفعال، فإذا أتقن الإنسان عمله، وما كلِّف بأدائه من حقوق وواجبات، وإذا قام بأفعال البر، وأحسن إلى الغير، أو عمل خيرًا، فإنه ينسب إليه هذا الفعل وذلك العمل، ويلقى من الله عز وجل أفضل الجزاء؛ لأنه إحسان، وهذا يتأكد بالآية الكريمة: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ (الرحمن: من الآية 60).
والإحسان فوق العدل؛ لأن العدل إنصاف وقسمة وقسط، والإحسان إيثار وتضحية، عطاء وبذل للغير عن طواعية ورضا؛ لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا، وإنما يتركه اختيارًا لله تعالى الذي عنده الجزاء الأوفى على إحسانه، وفي هذا يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ (النحل: من الآية 90).
وبالإحسان يشعر المؤمن شعورًا ملازمًا أن الذي يعطي هو الله تعالى وحده، وأن المال والصحة والجاه وكل ما في الدنيا؛ إنما هو منه وإليه، فلا يحسّ المؤمن في الإحسان بذاته إلا كـــوســيــلـة اختارها الله تعالى لفعل الخير، وعمل المعروف(5).
فالإحسان بهذا المعنى إمداد واستمداد من الله إلى عبده، وليس وقفًا من العبد على غيره؛ لأن في الوقف اعتراضًا ومشاركةً للربوبية، وهو نوعٌ من الشرك الخفي، فالله تعالى هو مصدر الخير والمحبة والجود والسخاء، وأي إحسان بخلاف ذلك يخلُّ بمعنى الإحسان على الإطلاق.